شائع

جاكي شان.. وكيف يمكن أن تمتزج الكوميديا بالأكشن


جاكي شان

في منتصف السبعينات، واجهت صناعة السينما في هونج كونج إحدى أفظع كوابيسها، ففي يوم 20 يوليو من عام 1973، استيقظت هونج كونج على خبر موت بروس لي، والذي اعتبره الكثيرون أسطورة سينمائية الذي نقل سينما هونج كونج من كونها سينما محلية لسينما عالمية يشاهدها الجميع حول العالم. ظل السؤال يتردد في ذلك الوقت، ماذا بعد بروس لي؟
عام 1975، جاء “ويلي شان” -الذي كان يعمل في تلك الفترة صائدًا للمواهب- إلى “لو وي” مخرج فيلم Fist of fury – 1972، والذي كان يبحث عن وجه جديد لبطولة فيلمه الجديد New Fist of Fury، فأخبره ويلي أن لديه شاب جديد، ليس وسيمًا إلى حدٍ كبير، لكنه موهوب ويعرف الكثير من أساليب الفنون القتالية ويستطيع التمثيل أيضاً، فوافق لو وي على رؤية الشاب الجديد، فقدم له ويلي الشاب الجديد جاكي شان.

حكاية جاكي شان من البداية

جاكي شان - البداية
ولد جاكي شان في هونج كونج عام 1954، لأب طبّاخ وأم تعمل في تقديم الطعام وخدمة البيوت، وكان -بحسب كلامه عن نفسه طفلاً شقياً مفعماً بالطاقة، ففضل أبواه أن يدرس في مدرسة الدراما الصينية، ليعجب جاكي بالتمثيل ويعطيه كل وقته وطاقته. والأوبرا الصينية تختلف عن الأوبرا في العالم، لأنها تحتوي على مشاهد لألعاب أكروباتية ومشاهد فنون قتالية أيضاً، لذلك لمع نجم جاكي في هذا الوقت، لكنه كان طفلاً عنيداً يصعب السيطرة عليه، حتى جاء المعلم “يو جيم-يون”.
كان المعلم قاسياً على الأطفال في ذلك الوقت، فكان يضربهم بالعصا الغليظة ليحققوا التجانس المطلوب للأوبرا. يقول جاكي أن هذا الضرب على الرغم من قسوته، إلا أنه السبب في تعليمهم الإنضباط، هو وأصدقاء عمره وأخوته ورفقاء دربه كما يحب جاكي أن يطلق عليهم “سامو هونج” و”يون بيو”.
جاكي شان
في يومٍ من الأيام، جاء المخرج “لونج تو” إلى المدرسة، ليختار مجموعة من الأطفال للمشاركة في فيلم Big and Little Wong Tin Bar، واختار جاكي شان ضمن هذه المجموعة، هنا أدرك جاكي، أن السينما شيء عظيم، وأنه يريد أن يعمل في السينما. وبعدها بسنوات خفت نجم الأوبرا، وازدهر نجم السينما مع وجود بروس لي تحديداً، في ذلك الوقت، عمل جاكي كرجل مخاطر، أو رجل تنفيذ المشاهد الخطرة، وشارك مع بروس لي في فيلمين هما Fist of fury وEnter the Dragon.
بعد موت بروس لي، وموافقة المخرج لو وي على أداء جاكي للدور، فشل الفيلم فشلاً ذريعاً في السينما، لأنه ببساطة لم يكن بأسلوب جاكي شان المعروف حالياً، فالمخرج حاول توظيف جاكي شان في الدراما والحركة كما كان يوظّف بروس لي، وبالطبع جاكي ليس بروس لي، لذلك لم يحقق الفيلم النجاح المرجو، لكن هذا لم يوقف جاكي عن استكمال الطريق.

مرحلة ما بعد بروس لي في السينما

في البداية، لم يقبل مخرجو هونج كونج أسلوب جاكي الذي يقترحه عليهم، يريد جاكي أن يمزج الكوميديا قليلًا بحركات القتال، وهم يريدون أن يكرروا تجربة بروس لي مرة أخرى، لكن جاكي كان يقول أن بروس لي قد مات، ولن يأت أحد ليحل محله، الآن علينا أن نخرج من الحيز الذي فرضه بروس لي على السينما، ونبدأ في فرض واقعاً جديداً.
ظل الرفض لأسلوب جاكي قائماً، حتى عام 1978، حيث منح المخرج “يون وو-بينج” فرصة لجاكي ليبدع. كان جاكي متحمساً جداً لهذا الفيلم، فقرر اختراع أسلوب جديد من أساليب القتال لهذا الفيلم. كان أسلوب الثعبان، أسلوب معروف في فنون القتال، لكن جاكي قرر مزج أسلوب القطط معه، وأسلوب النسر، ليظهر في الفيلم أسلوباً جديداً اطلق عليه جاكي (Snake in the eagle’s shadow).
جاكي شان مرحلة ما بعد بروس لي
بعدها، ظل جاكي يطوّر أسلوبه، ولمدة 40 عاماً، لم يستطع أحد أن يتفوق على هذا الأسلوب، الذي مزج فيه جاكي بين الكوميديا والأكشن وفنون القتال. وأصبح صُنّاع الأفلام يستطيعون إضافة الكوميديا لمشاهد القتال، لكن بالنسبة لجاكي القتال نفسه هو الكوميديا، لذلك استطاع جاكي لمدة 40 عاماً أن يحافظ على نجاحه، لأن أسلوب ببساطة كان مميزاً جداً.

كيف يمزج جاكي شان الكوميديا بالأكشن وفنون القتال؟

الميزة الأولى لأسلوب جاكي شان هو أن جاكي -بعكس معظم نجوم الأكشن- يبدأ من الأسفل، بمعنى أنه يبدأ المعركة بهزيمة، أو نقطة ضعف قوية، كأن تكون يداه مكبلتين، أو ألا يرتدي حذاء وأمامه رجل يحاول كسر قدميه، أو أن يمتلك سلاحاً بلا ذخيرة. من هذه النقطة، يجب على جاكي أن يقاتل حتى يصل إلى القمة، ومن هنا تأتي النكتة التي يضعها جاكي في السياق ببراعة.
في فيلم Mr. Nice Guy، يوجد مشهد لجاكي يحاول الهرب من رجال العصابة، فيركض في حارة ضيقة ممسكاً بمسدس فارغ من الذخيرة. وفي نهاية الحارة يقابل جاكي أحد أفراد العصابة، يمد جاكي يده للرجل بالمسدس الفارغ، وعندما يحاول الرجل أخذه يركل جاكي يداه التي تمسك بالمسدس الأخر، يحاول الرجل إطلاق النار على جاكي، لكنه لم يكن يعرف أن ما أخذه منه هو مسدس فارغ، يضربه جاكي وينتهي الأمر كما أراد جاكي… بالكوميديا والأكشن معاً.
اتخذ جاكي منذ أن بدايته أسلوباً كوميدياً يشبه إلى حدٍ كبير أسلوب “باستر كيتون” و”هارولد لويد” ممثلا الأفلام الصامتة، ومن أعظم من قدموا كوميديا الموقف، حتى أن جاكي استخدم لقطات من أفلامهم وأعاد تمثيلها مرة أخرى، كلقطة السقوط من برج الساعة الشهيرة من فيلم Project A والتي قلّد فيها جاكي مشهد هارولد لويد في فيلم Safety Lasts. ايضًا في فيلم Project A 2، قلّد جاكي مشهد باستر كيتون، والذي فلت فيه من وقوع واجهة منزل عليه في أحد أفلامه.
جاكي شان - مشهد باستر جاكي شان - الأدوات
الميزة الثانية في أسلوب جاكي هي استخدامه لك ما حوله من أدوات. لأن جاكي يقاتل أكثر من شخص في وقتٍ واحد، ولابد أن يبدع في استخدام كل ما يملك من مهارة، وهنا يستخدم جاكي مهارته القتالية في استخدام كل شيء حوله، الكراسي والأثاث والعصي والزجاج وحتى السُلّم الحديدي. استخدام جاكي لهذه الأدوات لا يعطيه الأفضلية فقط، بل يعطيه مساحة لخلق كوميديا من الموقف شديدة البساطة، لكنها غير مألوفة.
الميزة الثالثة -وهي الأهم من وجهة نظري- هي حركات الكاميرا والإضاءة وحركات جاكي والمونتاج. فعندما تكون الشاشة مظلمة، وحركات الكاميرا سريعة فأعلم أن الممثلين لا يستطيعون القتال، أما جاكي فيستطع، لذلك لا يمكن لإضاءة أفلامه أن تكون مظلمة، أما حركات الكاميرا فيفضل جاكي الزواية الواسعة الواضحة، ليستطع تقديم مهارته في القتال بشكلٍ أفضل. أيضاً في المعارك، يرتدي جاكي ملابس بلون مخالف للون منافسة، ليظهر كلٌ منهما بشكلٍ واضح أثناء القتال.
جاكي شان في مشهد قتالي
عندما قرر جاكي الذهاب إلى هوليوود للتمثيل هناك، واجه مشكلتان، الأولى هي مشكلة الإعادات، لأن جاكي لا يحب إلا أن يكون المشهد ممتازاً بلا أخطاء، لذلك أعاد مشهداً له وهو في هونج كونج يلقتط فيه مروحة أكثر من 120 مرة، ووجهة نظره كانت أن الجمهور في السينما لا يهمه المجهود المبذول في إعداد المشاهد، بل يهمه المنتج الأخير، لذلك يحرص جاكي على أن يكون المنتج الأخير ممتازاً، لكن للأسف الاستديوهات في هوليوود لا يستطيعون توفير هذا الكم من الأموال لإعادة مشهد واحد لأكثر من 120 مرة.
أما مشكلة المونتاج فهي قصة أخرى. يستخدم جاكي قطعات متتالية لمشهد الركل الواحد، بمعنى أنه يصوّر الركلة مرتين على الشاشة، فتظهر الركلة قوية جداً، عكس المشاهد التي تقطع وتبدأ من مكان الركلة، فتظهر كأنها ضعيفة، أو كأنها -بشكل صريح- لقطة تمثيل لا يمكن أن تسبب أي ألم للشخص الأخر. أيضًا يفضل جاكي وضع الفعل ورد الفعل في نفس الصورة، حتى يتمكن المشاهد من الربط بينهم، فيصبح المشهد أقوى، وهذا ما يسميه جاكي بالإيقاع، وهذا ما فقده جاكي عندما ذهب إلى هوليوود.
يرجع الفضل في كل ذلك أيضاً، لفريق العمل والقتال الذي يعمل معهم جاكي منذ بداية الثمانينات تقريباً، فهو يعتمد عليهم في كل شيء، حتى المونتير الذي يعمل معه جاكي يفهمه جيداً. في هوليوود، يقطع المونتير اللقطة بعد كل ضربة من جاكي، وهذا ما يُسقِط الإيقاع الذي يحاول جاكي اللعب عليه، أما في هونج كونج، فيعطيه المونتير وقتاً كاملاً ليُظهر الفعل ورد الفعل، الذي غالباً ما يكون تعبيراً غريباً بوجه جاكي، ليمنح للمشهد كوميديا أصيلة غير مفتعلة.
باختصار، بداية جاكي من الأسفل، وتحويله الهزيمة إلى فوز، هو الأمر الذي يعتمد عليه كثيراً في أفلامه، فيمنحه هذا الأمر المزج الجيد الذي يريده، والذي برع فيه جاكي منذ أفلامه الأولى وحتى أحدث أفلامه، فهو رائد مزج الكوميديا بالأكشن وفنون القتال بلا منازع، حتى وإن قام بذلك الكثيرين بعده، سيبقى جاكي شان علامة مميزة لن تتكرر في السينما.
المصدر 

Aucun commentaire:

Fourni par Blogger.